Friday, April 13, 2007

الثابت والمتحول

من كتاب الثابت والمتحول
أدونيس

القسم الثاني
أصول الإبداع أو التحول
فصل الحركات الشعرية


الشاعر الأول الذي أورده أدونيس هو "أشعر الناس ذو القروح"، إمرؤ القيس، الذي "سبق العرب إلى أشياء ابتدعها" كما يصفه ابن سلام ، و"سابق الشعراء، خسف لهم عين الشعر" كما قال عنه عمر بن الخطاب، وهو "أول من فتح الشعر" كما قال أبوعبيدة معمر بن المثنى.

شاعر متسكع، طريد كما يصفه أدونيس، متعهر في شعره، حتى أن أباه طرده مرتان، وأراد قتله لفجوره وفسقه، يرى أدونيس أن الابداع والتحول في شعر إمرئ القيس يتجسد في ثلاث نواحي:


الناحية الأولى: خروجه على النموذج الأخلاقي القبلي السائد آنذاك:

يحضر هذا الخروج على القيم الأخلاقية السائدة في علاقة إمرئ القيس بالمرأة والحب، فهو يقول:


ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فإلهيتها عن ذي تمائم محول


إذا ما بكى من خلفها انصرفت له
بشقّ وتحتي شقها لم يحول


فإمرئ القيس يقصد الحبلى والمرضع دون البكر، فالزواج من البكر دليل على علو الهمة، وقد خالف امرؤ القيس هذه القيمة فاتهم بنقص الهمة.


الناحية الثانية والثالثة: خروجه على نموذج المعاني والتعبير

أي أنه لا يطابق بين اللفظة ومدلولها الأصلي، فيرد أدونيس قصة زوجة إمرئ القيس أم جندب التي حكمت بين علقمة وإمرئ القيس في وصف الفرس العربي، بشرط أن يلتزم الشاعران بنفس القافية، والوزن.

ولقد فضّلت أم جندب شعر علقمة على شعر زوجها امرئ القيس وعللت التفضيل على أساس الصورة، صورة فرس علقمة كريمة خلافاً لصورة فرس زوجها ، وعاب ناقد آخر قول امرئ القيس في رسم صورة الفرس: وأركب في الروع خيفانة كسا وجهها سعف منتشر فقد غطى الشعر الكثيف الشبيه بالسعف وجه فرسه الذي يشبه الجرادة، وهذه الملامح لا تحبذ لصورة الفرس الكريم.


وقال إمرؤ القيس في وصف الفرس:

وأركب في الروع خيفانة
كسا وجهها سعف منتشر

وكان هذا الوصف بمثابة الخروج على النموذج، الذي التزم به علقمة،واستحسنته أم جندب.



ثم ينتفل أدونيس ألى أبومحجن الثقفي، الشاعر الأموي، -توفي عام 30 هـ- ويقول أدونيس عنه بأنه: "يعد من الشعراء الأول الذين أعطوا للتمرد، متمثلاً في انتهاك المحرم، بعداً وجودياً، وبذلك أعطى ممارسة الخمرة معنى جديداً، نقلها من مستوى العادة إلى مستوى الرمز"، وأصر على شرب الخمرة رغم تحريمها، وينسب إليه:


إذا مت فادفنيّ إلى جنب كرمة
تروّي عظامي بعد موتي عروقها

ويقول أيضاً:

ألا سقّني يا صاح خمراً فأنني
بما أنزل الرحمن في الخمر عالم


وجد لي بها صرفاً لأزداد مأثماً
ففي شرابها صرفاً تتم المآثم


هي النار إلا أنني نلت لذة
وقضيت أوطاري وإن لام لائم


إن كانت الخمر قد عزّت وقد منعت
وحال من دونها الإسلام والحرج


فقد أباكرها رياً وأشربها
صرفاً وأطرب أحياناً فامتزج


وقد تقوم على رأسي مغنية
فيها، إذا رفعت من صوتها، غنج



مثال آخر للتمرد والخروج هو الشاعر الحطيئة. -توفي عام 59 هـ- وقبل وفاته طلبوا منه أن يقول وصيته فقال:


لكل جديد لذة غير أنني
رأيت جديد الموت غير لذيذ

وسئل: فما تقول في مالك؟ فقال للأنثى من ولدي مثل حظ الذكر، قالوا: ليس هكذا قضى الله، قال: لكني هكذا قضيت. و سئل: ما توصي لليتامى؟ قال: كلوا أموالهم ونيكوا أمهاتهم.

عرف بأنه كان مرتداً، وعندما ارتد قال:


أطعنا رسول الله ما كان حاضراً
فيا لهفتي، ما بال دين أبي بكر


أيورثها بكراً إذا مات بعده
فتلك، وبيت الله قاصمة الظهر


أما أبوالطمحان القيني وصف بأنه كان فاسقاً وخبيث الدين في الجاهلية والإسلام. توفي عام 30 هـ.

قيل له: ما أدنى ذنوبك؟ قال: ليلة الدير. قيل له: وما ليلة الدير؟ قال: نزلت بديرانية، فأكلت عندها طفشيلاً بلحم الخنزير (نوع من المرق) وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها ومضيت.

ومن الشعراء المتمردين أيضاً ضابئ بن الحارث البرجمي الذي كان أول وصف العلاقة الجنسية التي تقوم بين المرأة الكلب قائلا:

فأمكم لا تتركوها وكلبكم
فإن عقوق الوالدات كبير

فإنك كلب قد ضريت بما ترى
سميع بما فوق الفراش خبير

إذا عثنت من آخر الليل دخنة
يبيت لها فوق الفراش هرير



ويروى أنه قال هذه الأبيات في أم بني جرول بن نهشل، فقد استعار منهم كلباً استبقاه عنده، فطلبوه منه فأبى إعادته، لكنهم أخذوه فهجاهم، وبسبب هذه الأبيات حبسه عثمان حتى مات. وقال لعثمان في الحبس: "والله لو أن رسول الله حي لأحسبنه نزل فيك قرآن، وما رأيت أحداً رمى قوماً بكلب قبلك.

أيضاً يذكر أدونيس في هذا الفصل سحيم عبد بني الحسحاس، وهو غلام حبشي شاعر، توفي عام 40 هـ، يقول:

وهبت شمال، آخر الليل، قرّة
ولا ثوب إلا بردها وردائيا

توسدني كفًا وتثني بمعصم
عليّ، وتحوي رجلها من ورائيا

فما زال بردي طيباً من ثيابها
إلى الحول، حتى أنهجَ البرد باليا


أما النجاشي الحارثي -توفي عام 40 هـ- يوصف بأنه "كان فاسقاً رقيق الإسلام... خرج في شهر رمضان على فرس له بالكوفة يريد الكناسة، فمر بأبي سمّال الأسدي فوقف عليه، فقال: هل لك في رؤوس حملان في كرش في تنور من أول الليل إلى آخره، قد أيعنت وتهرأت؟ فقال له: ويحك أفي شهر رمضان تقول هذا؟ قال: ما شهر رمضان وشوال إلا واحداً. قال: فما تسقيني عليها؟ قال: شراباً كالورس يطيب النفس ويجري في العرق ويكثر الطرق ويشد العظام و يسهلّ للفدم الكلام."


وكان قد هجا قريش قائلاً:


سخينة حيُّ يعرف الناس لؤمها
قديماً ولم تُعرف بمجد ولا كرم

فيا ضيعة الدنيا وضيعة أهلها
إذا وليَ الملك التنابلة القزم


وعهدي بهم في الناس ناسٌ وما لهم
من الحظ إلا رعية الشاء والنُعَم

ويقول أيضاً في قريش:

إن قريشاً والإمامة كالذي
وفَى طرفاه، بعد أن كان أجدعا


وحق لمن كانت سخُينة قومه
إذا ذكرَ الأقوام أن يتقنعا



وسخينة لقب لقريش، لأن قريشاً عرفت بأكل السخينة وهي حساء من دقيق.

ويقول النجاشي الحارثي أيضاً هاجياً أهل الكوفة:

إذا سقى الله قوماً صوب غادية
فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا


التاركين على طُهر نساءهم

والناكحين بشطيّ دجلة البقرا


والسارقين، إذا ما جنّ ليلهم

والطالبين، إذا ما أصبحوا، السورا


ومن الشعراء المتمردين أيضاً، شبيل بن ورقاء الذي يصفه ابن قتيبة بأنه "أسلم إسلام سوء، وكان لا يصوم شهر رمضان، فقالت له بنته: ألا تصوم؟ فقال:


وتأمرني بالصوم، لا در درها
وفي القبر صومٌ، لا أباكِ، طويل

ومنهم أيضاً الأحوص، توفي عام 105 هـ، الذي أعلن اللذة مبدأ للحياة في قوله:


وما العيشُ إلا ما تلذ وتشتهي
وإن لام فيه ذو الشنّان وفنّدا


إذا أنت لم تعشق ولم تدرٍ ما الهوى
فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا


والأقيشر الأسدي، توفي عام 80 هـ، أيضاً يرى اللذة في انتهاك الحرام، وهو كذلك يسخر من الدين بقوله:


قلت: قُم صلّ، فصلّى قاعداً
تتغشاه سمادير السّكر


قرن الظُهرَ مع العصر كما
تُقرن الحقّةٌ بالحق الذّكر


ترك الفجرَ فما يقرؤها

وقرأ الكوثر من بين السّوَر

ويقول أيضاً في الخمرة:

ومقعد قوم قد مشى من شرابنا
وأعمى سقيناه ثلاثاً فأبصرا


شراباً كريح العنبر الورد ريحه
ومسحوق هندي من المسك أذفرا


من الفتيات الغرّ من أرض بابل
أذا شفها الحاني من الدّن، كبرا


لها من زجاج الشام عنق غريبة
تأنّق فيها صانع وتخيّرا


إذا ما رآها، بعد إنقاءِ غسلها
تدورُ علينا صائم القوم، فأفطرا


وهناك أيضاً الخليفة الأموي الوليد بن يزيد، توفي\قتل عام 126هـ، يقال أنه هيّأ في قصره بركة ملأها خمراً، كان يسبح فيها ويشرب، وحوله المغنون، ثم يخرج من البركة يترنح وينشد:


أُشْهِدُ الله والملائكة الأبرار
والعابدين أهل الصلاح


أنني أشتهي السّماع وشربَ
الكأسِ والعضًّ للخدود الملاح


والنديمَ الكريمَ والخادم الفاره
يسعى علىَّ بالأقداح