Sunday, October 16, 2005

!

بس
سـأكتب

نعم تخرجت من الجامعة ! نعم ! استوعب يا ولد! عادة لا أحب علامات التعجب لأنها تستفزني عندما أراها بكثرة في المقالات والنصوص الأدبية، الكاتب الشاطر هو الذي لا يستخدم علامات تعجب ويجعل القارئ يتعجب لوحده دون علامة تقول له: "هنا لازم تتعجب" !! لكني اليوم سأستخدمها كما لم أستخدمها من قبل، أولاً لأني لست كاتباً شاطراً وثانياً لأنني أساساً متعجب من كل شيء ! أو كل شيء متعجب مني !

تخرجت من الجامعة ! بعد أربع سنين دراسة وكفاح مسلح بالكافيين والأرق والوحشة! أربع سنين جاءت بسلبيات قديمة وايجابيات جديدة في تكويني الشخصي، أربع سنين غيرت فيني الكثير.. الكثير ! موضوع التغيير الذي حصل طويل جداً، ولن أسهب فيه..

كنت في السابق كتلة من الثقة السخيفة بعض الشيء، وكنت كما أنا، وأنا في ذلك الوقت لم يكن يعرف إلا هو، ولذلك خرجت من الأنا واكتشفت أن أناي فيها من العيوب ما لا تشيله البعارين كما يقول طويل العمر (بكسر العين)، قلت لكم خرجت من الأنا وكنت أنظر وأحلل وأتفقد تصرفاتي وأقوالي ولفتاتي كما يراقب مسئول الشركة موظفي الخدمة العملاء فيقييمهم آخر اليوم، "لا تكثر من الكلام" "ابستم" "لا ترد بهذه الطريقة"، وكنت أنا في كل ليلة، كل ليلة، أعطي "أناي" تقييم اليوم. "لماذا قلت كذا!"، "كان يجب عليك أن تكون أكثر لطافة"، " لا تعطيه وجه، خله يولي!". وهكذا كنت خارج نفسي أراقب وأحلل، واستمرت هذه العادة حتى قررت أن أعود لنفسي "الجديدة" التي من المفترض أن تتشكل بعد عملية المراقبة والتقييم، ولكني، ويا لقسوة لكني، لم أستطع أن أرجع إلى "أناي" غريبة عليّ الأنا، غريبة! وما زلت في هذه الحالة المريضة المؤسفة ! وكأنني عندما أكون في مكان ما جالس بقربي أشاهدني.. كلام معقد صح؟ أعلم.. لن يفهمه إلا الذي تعقد مثلي ! المهم أنني أريد أن أنسجم (ولا أجد كلمة معبرة أفضل من "أنسجم") مع "أناي" أريد أن أرجع الأنا وأعلن نفسي !


أشعر بأنني لست أنا، ماذا يحدث؟ لا شك أنها أزمة! تخيلوا وأنا أكتب الآن أقرأ ما كتبت وكأنني ناقد أدبي، وكأني لست أنا الذي يكتب الآن!!!! أزمة بلا شك! الناقد الأدبي يقول الآن "شهالخرابيط؟ أزمة وعقد؟ يا ولد لا تبيين عيوبك للناس" والذي يكتب الآن يقول: كل الناس معقدين! كلهم! كل الناس يعيشون أزمات! بعضهم يعلم وبعضهم لا يعلم (والذي لا يعلم في نعيم) ولكنني للأسف الشديد الشديـــــــــد أعلم! أعلم أني لست الشخص الذي أطمح أن أكون. وبعض من يقرأ حالياَ يتنهد ويقول "أي والله .. يبتها!" .. عموما يبتها والا ما يبتها ما يهمني ! أنا قلت في البداية أني لن أسهب في موضوع التغيير الذي حصل فيني ولكني أسهبت.. اضطررت .. هي أزمة، والأزمات تسهب لها سهاب.

المهم نعود .. إلى ماذا؟ لا يهم.. أنا بس أبي أكتب..

نعم تخرجت .. وعدت إلى البلد، بلدي

كنت متولعاً بحب الوطن والأغاني التي كانت تبكيني و تهزني هز في أول سنة جامعة .. كنت لا شعورياً أقول:
"أحبج يا كويت" تماماً كما علمونا في المدارس، رؤية البلد من بعيد والحنين في البداية يجعلك عاطفي ويهيج مشاعر الوطنية .. ولكني في العام الرابع قبل التخرج بدأت أشمئز من فكرة الوطنية، والوطن والحب المبالغ فيه والكلام العاطفي الديماغوجي الذي أعتقد بأنه لعب عيال حيث حب الوطن هو لاصق (ستكر) لشيوخ بعضهم خدم الوطن وبعضهم الوطن خدمهم.. وحب الوطن هو بوسة كتف شيخ، ومدح وتعظيم وتبجيل وشعارات مثل "أبوس ترابك يا وطن" هل جرب راعي الشعار التراب في فمه من قبل؟ واستغل مفهوم الوطنية إلى أبشع حدود.. ولذلك أضطررت أن أبتعد قليلاً عن هذا الشعور وهذه الفكرة.. (بركات المدرسة الرومانسية) الواحد يهتم بمصلحته مراعياً قوانين وأسس البلد الذي يقطن فيه وفي الأخير سيصلح الوطن إذا فكر الجميع بنفسه ومهنته واختصاصه على عكس حماة الديار..


وعندما عدت أخيراً إلى الكويت وذهبت الى الحداق وافترشت رمل البحر الناعم فجراً وصوت فيروز ينساب عبر الأثير (بعدك على بالي..) والسمكات الصغار الملونات الراقيات المؤدبات جداً يتفننّ في جعل الدنيا أبهى وأجمل، وشعور براحة بال سماوية، لا تمتلك نفسك وتأتيك رغبة جامحة لتقبيل رأس الرب! وعندما أنتهي من انفرادي مع البحر أرجع إلى صخب المدينة وفي الطريق لا شعورياً أقول " أحبج يا كويت!!!" كما كنت أقول في بداياتي.. البعيد عن العين بعيد عن القلب .. صدق راعي المثل وأسكنه

أعود إلى الصفاء .. إلى شاطئ الخليج العربي، بنيدر القلب. عندما أكون في حضرة زرقة البحر تكون الدنيا كلها أنا والبحر، كأنني المخلوق الوحيد وكأن البحر لي.. كله!


عندما أتفرد بالبحر ليلاً
يتفرد فيني
وتتفرد فيني النجوم، وظلام جميل
والصفاء ..
تتفرد فيني الوحشة.. الوحدة .. الأنا
الأنا والبحر لا ثالث بينهما.. ولا حتى مراقب خدمة العملاء!
لكنني أتمنى أن يكون هناك ثالث بيننا..
حبيب أنيس جليس، كما يقول عبدالوهاب "أيه فايدة البدر الزاهي من غير جليس؟ .. وأيه فايدة الروض الباهي من غير أنيس.. ترررن ترررن تررررن إزاااي أعيش في الدنيا يا دي من غير ما يتهنى فؤاااااااااااااااادي"! ششششش يا ولد!


ولكنني (وما أكثر "اللاكنات" عندي، أنا كلي لاكنات متلاحقة) ولكنني أعود كما أقول إلى صخب المدينة .. زحمة شارع فحيحيل، زحمة الدائري الرابع، كل مكان زحمة! كل وقت زحمة ! وهذه أيضاً أزمة ! أكبر وأشد من أزمتي التي ذكرتها.. الحديث عن الزحمة عكّر المزاج! متأكد أنه عكر مزاجكم ومزاجي.. والصحف تعكر المزاج.. وأمور كثيرة تعكر المزاج! .. لهذا فأنا أحترف الهروب الخيالي من مزاجات كهذي.. سأهرب من هذا المزاج وأقول.. الحب.. الله .. الحب، القلب، العشق، الهيام، الجنون، الخبال، الاستهبال، الهروووووب...


مسكين الحب.. أعطوه أكبر مما يحتمل .. ربما. بالمناسبة هناك سيمنار يدرس في جامعة هارفرد عنوانه "أسطورة الحب في الحضارة الغربية.. واكتشاف الذات" أي بما معناه أن الانسان يعتقد بأنه عندما يحب كل شيء سيصبح تمام التمام بقدرة قادر بسذاجة تماماً كما يعتقد مؤيدو (والا مؤيدي؟) الدولة الدينية أن عندما تقام الدولة الدينية كل أمور البلاد والعباد ستنحل ببركة سماوية! ا


المهم .. هارفرد ناس معقدة .. فليعتقدوا ما يعتقدوا .. أنا الآن سأهرب .. سأهرب.. وأقول ( على وزن "يا ناس سمعوني.. تكفون فهمووني".. على قولة صلاح الساير وعلى رداءة شعره الأخير):


ماذا يهمني لو كنت حبيبتي
إن تخاصم صباح وسالم
ماذا يهمني لو كنت حبيبتي
إن غطس السوق أو عام

ماذا يهمني لو كنت حبيبتي
ان تفلسف الجميع في كل الأمور
وإن لم يحترم مواطنونا
قوانين المرور

ماذا يهمني لو كنت حبيبتي
إن طالت إجراءات تصديق الشهادة
وإن تبجح أبو نبيل و بوقتادة

ماذا يهمني
إن لم أحدد مستقبلي
وإن لم أقبل بالدورة
وإن لم..
وإن..
وإن..

ماذا يهمني لو كنت حبيبتي
إن أنا لم أكن أنا

المهم .. أن تكوني أنت
وعندما تكوني أنت
لن يهمني شيء أبداً
حتى أنا..


هروب لطيف جميل.. هروب انترنتي غير منطقي.. لا يمس المنطق بشيء.. وهذا هو المنطق نقيض السعادة.. العقل غريم الحب.. يا سيدي أنا أحاول الهروب.. ولكنني أبتليت بعقل كالمصحح اللغوي يصلح كلام أديب مبتدئ.. هنا فتحة وهنا كسرة.. وهنا كسرة وهنا كسرة.. ولا مجال للضم! لا مجال للقلب أن يتصرف كمحب ساذج.. المهم هذا موضوع أيضاً طويل للغاية ويحتاج لحظة ضعف أخرى!

...
..

جلست لأكتب اليوم.. قبل ساعة أو أكثر..وأعتفد بأنني حلقت في قفصي تحليقلاً رائعاً..
أزمة.. حب.. وحشة.. أنا .. بحر .. فوضى .. شاعرية .. منطق .. وفي النهاية ماذا؟
لا شيء! سبع صنايع والبخت ضايع.. هذه قصة حياتي.. سبع صنايع والبخت ضايع


والآن أشعربأنني خلاص ..كما اختطفتني الكتابة .. سيختطفني النوم حتى أنني لن أراجع ما كتبت .. وسأنشره على طول في قفصي الحبيب.. سلام.